Monday, January 11, 2010

رثاء/ في ذكرى الصافي

وهل ترى سيأتي يوم كمثل ذلك اليوم قبل أعوام عشرة فجر كانون البارد عام 2000؟
كان صباح العيد وكان علي الصافي دمعة العيد التي انسكبت على الرصيف قرب «إشارة» عبرت به إلى «الفرح المؤجل والليل والموت والحب»... إشارة عبرت به إلى سكون خديجة.**
جمع الأصدقاء المساء... نفثوا دخان ذكراهم عن الفقيد... رثوه في عيده العاشر، فالذكرى مازالت حارقة في غيابه... «والسيد... لا يموت»... هل نندبه؟ أم نندب أنفسنا به؟ ولم لا، فهذه أيام الله الحرام وعلي لم يفطر من صومه بعد، ودماء الشهداء تصعد ساخنة إلى السماء، أما دماؤنا - نحن الغرباء - فمازالت تسقط باردة على الإسفلت قرب صلاة الفجر في يوم عيد.
تلك الفترة البائسة بينما كنت أفتش عن سبيل لتحصيل لقمة العيش وعملا بنصيحة بعض الأصدقاء، لجأت إلى حرفة التصميم الطباعي وكانت «مراياك» تجتذبنا كالفراشات إلى قنديل الزيت، قررت أن أكون إلى جانبك، وأن اجتمع بك هناك، وأن أكون بخدمتك هناك، أما أنت فكان لك رأي آخر، علي الصديق الذي لم أتمكن من أن أصطنعه لنفسي وحين سعيت إلى لقائه كان هو قد استغنى وعزم الرحيل. «ليش ما يكون العيد السبت... ليش مستعجلين؟»... لا بل قاتلك هو العجِل... يا صديق.
دخلت إلى إدارة الإنتاج لأجمع الصفحات وأعدل تنسيق الصور وألتقط الكلمات... أنا في خدمتك... والمطر قد بدأ، ما أجمل من اجتمع لوداعك يا علي! هل كان يجب أن تُقبض حتى نقبض عليك؟ غرقت الصحيفة بموج الرثاء والقصيد والمواساة في غيابك، حتى بلت المياه بعض الصحف الزميلة... لم أتمكن من أن أدفن يدي في يديك، وقدّر أن أصافح كل كلمة كتبت فيك وأن أمر بيدي على دموع الأصدقاء... قدر كبير من الوفاء سال بنا وفتح «سجل الرثاء» لعشرة أيام، وخير أن تنتخب وتوزع الكتابات على الأيام ويبدأ بالشخصيات العامة ورموز الحركة الإبداعية، فالزملاء والأصدقاء والأقارب ثم عامة الجمهور من قرائك ومريديك، النظام يقتضي ذلك... ولكن هل كان الصافي ليفرق بين أحبته بهذه الكيفيات؟ في عامه العاشر... لم يقفل ذاك السجل بعد.
سيد علي سيد خضير الصافي الموسوي من مواليد الكويت 21/ 11/1968، شاعر وكاتب وصحافي من عيار مميز، يقدم نفسه إليك «بكل بساطة وتلقائية ودون تزييف». الصافي كان فريداً في فترة ذهبية من عمر الكتابة الإبداعية والصحافية في الكويت، يقتنص المفارقة ويرصد الظواهر الاجتماعية بعين الفنان ويخطها بريشة الصائغ... «حلمنتيشياً» كان... ولولا زاوية «العدان» في ذلك الفجر البارد لقدر له أن يكون السهم النافذ من سقف خيمة الإرث «القمعي والتسلطي والانتقائي» سأله رئيس التحرير يوماً عن حال الثقافة العربية، وكان له رأي لم يتم كما شأن أشيائه كلها... قصيدته الأولى... ديوانه «الفاتحة» الذي لم يشأ القدر أن يكون له عائلة، ولما لم يتسن طباعة ديوانه الثاني قررت إدارة الصحيفة أن تفتح له ديوانها الثقافي وتبقيه مفتوحاً على ذكرى اسمه. (فاتحته) أصبحت طلقة في ذاكرة المثقفين وفاجعة الألفية المرتقبة، وفي الغصة العاشرة ما زال الديوان الثاني لم ير النور، ولم يحضر الدارسون الباحثون والمحللون فالباكون لم يخل الطريق بعد، أنت من سلالة (طويلة العمر) ويحتاج الزمان لأنفاسه العميقة كي يتمثلك. هذه السنون لا تكفي وربما في العقود المقبلة ستبدأ الأقلام بكتابتك بعد أن ترتوي من دموعنا.
أيها الولد الصافي أنت المفارقة والسخرية والألم، شاء الفجر أن تكون ويصبح كل شأنك فاتحة الكتاب... سلام لك.
.....
نشرت في صحيفة الراي بتاريخ 11 يناير 2010

دومينيك دوفيلبان ومابعد الكولونيالية

 سكرت أوروبا واسكرتنا في 70 عاماً الماضية بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والعهود الدولية والتدريب والتشبيك مع جنيف ونيويورك ولاهاي. هذ...