Wednesday, December 18, 2013

حمَّام شتوي بارد !

خبر أول:
العارضة ميريام كلينيك، تكشف عن تعاطفها مع اللاجئين السوريين، فتخلع ملابسها، دعماً لهم، من أجل التصوير عارية على الثلج .

فاتحةٌ عارية:
أنا، وكما جرت العادة حين يفتش كل منا عن عاره الخاص في جملة قضايانا، لا أجد عاراً أكبر من كلمة "لاجئ" المضافة، في الخبر السابق، إلى المشردين السوريين على التراب السوري أو خارجه!

التراب السوري، الذي كان يؤوي من العراقيين فقط أكثر من مليون و 700 ألف نسمة إبان حكم طاغية بغداد وما تلاه من الإطاحة به وانغماس العراق في ما يشبه الحرب الطائفية بين عامي (2005 - 2007). ترابٌ كان بسبب استقراره السياسي والأمني النسبي، يعتبر محطة لجوء فُضلى للفلسطينيين الذين تجاوزت أعدادهم أكثر من نصف مليون نسمة، وفق إحصاء عام 2011، يقيمون في 12 مخيماً رسمياً وغير رسمي. يحق لهؤلاء جميعا التعليم المجاني في المدارس السورية الرسمية وكذلك العمل والطبابة والتملك ضمن شروط خاصة بالفلسطينيين!

هو التراب الذي احتضن الفارين من المذابح الأرمنية عام 1915. ليقيموا في حواضر عريقة مثل حلب ودير الزور ودمشق واللاذقية. وبعد حوالي قرن على الهجرة الأرمنية يصل عددهم إلى حوالي 200.000 نسمة يتمتعون بالجنسية السورية وحقوق المواطنة الكاملة.

على التراب السوري، أيضاً، يقطن مهجرو الجولان قسرياً، بعد ضغط آلة الدمار الإسرائيلية في حرب 1967 وما بعدها، والذين وصل عددهم عام 1996 بحكم النمو السكاني إلى ما يقرب من نصف مليون مواطن.

في حرب تموز 2006، ونتيجة القصف الإسرائيلي العنيف على لبنان، استضافت سوريا المهجرين اللبنانيين من مناطق الاشتباكات. استقبلهم الأهالي في البيوت، ورفضوا بقاءهم في المدارس أو في مخيمات على الحدود، ورفضوا تسميتهم إلا بـ (الضيوف) يتشاركون معهم المأكل والمشرب، ويذكر اللبنانيون عبارة كتبت قرب أحد الأفران في منطقة المهاجرين - إحدى مناطق دمشق - نصها: "الخبز مجاناً للإخوة اللبنانيين".

في أي جحور اللاوعي غاص كل هؤلاء؟
أين غابوا حتى يتكفف السوريون الآن في عراء الحدود وفي الخيام للعام الثالث على التوالي؟ هل أقصى ما يطيقه شقيق الأزمة والأزمنة وتلازم المسارات حينا وتعارضها أحيانا أن يسمح - عفواً - لأطفالهم بالتسول في ساحة سان جورج؟ هل أقصى ما يطيقه الشقيق الخليجي أن يمد أفق بطاقة زيارة هزيلة؟ أو يتساهل في تجديد الإقامة التي ناهز سعرها الألفي دولار للعامل الواحد في وقت من الأوقات؟ كلفة إقامة وعمل لمواطن عربي في بلد عربي! هل أقصى ما يطيقه أن يجرّد "سوأته" نجدة للصارخات من بني جلدته؟! هل الجار العراقي أقل جحوداً وأبناء اليوم هم الأبناء ما ألقوا عصا الترحال إلا البارحة؟

إنّ عورة أي من هؤلاء؛ لا تختلف عندي، كثيراً، عن عورة "المناضلة" ميريام وهي تواسي بها "اللاجئ" السوري.

أياً كان موقفك من النظام أو المعارضة، فهذه ليست قضيتي ولا قضية سوريا اليوم، القضية البكر هي أن أرض الشام وأهلها لم يعاملوا النازحين العرب وسواهم في أي وقت كالغرباء أو المشردين. فلم يجدوا إلا الأحتضان والإيواء وحماية الأم الشامية "العدية" الثاكلة لا المستأجرة.

هل تلاشى الوفاء في نفوس هؤلاء جميعاً؟ لا أتحدث عمّن عادوا يحملون البنادق ليلفظوا رصاصاتهم الصدئة في صدر الياسمين. ولست من محللي الصوملة واللبننة والعرقنة والأفغنة والبلقنة، وكل القيء البارد للمرضى المتقيحين بحُمَّى العقائد السياسية والفكرية والطائفية، وكل هذا الوعي الزائف. أسأل عن هؤلاء تحديداً حتى لا أُلام لاستنهاضي قيماً سادت ثم بادت في هذا البلاء العربي الهرِم. أسأل عن هؤلاء فقط لأن "الغريب للغريب نسيب"!

رغم ثقتي ببعض المجاميع الفردية التي تجمع المعونات للاجئين؛ إلا أنه، ورغم احترامي لمقاصدهم النبيلة، أجدهم طارئين على منطقة الصراع، وعلى العمل الإنساني. فهم؛ إما غير مؤهلين بشكل كاف للتعامل مع قضايا النزوح، أو زائرون يمارسون نوعاً من السياحة "الأخلاقية" يعودون بعدها إلى مدنهم وأشغالهم براحة ضمير أكثر ومسؤولية أقل، أو أنّهم مؤدلجون يمايزون بين المحتاجين تبعاً لرؤاهم وصورهم النمطية الأشد بؤساً من النزوح ذاته. للصنف الأخير أعيدها كما قالها مؤسس جمعية العون المباشر، الراحل عبدالرحمن السميط، من قبل: لن يفلح مسعاكم مالم تتركوا مشاكلكم خلفكم وتتجهوا للإنسان وتكافحوا الحاجة.

ولن نفلح في القضاء على الحاجة أو تحسين ظروفها؛ وهذه التجارب شاخصة أمامنا من القرن الإفريقي إلى السودان إلى مصر، والعراق ولبنان وأفغانستان غير متجاوزين للأزمة الأخلاقية المعتمة في الضمير الإنساني والمسماة: فلسطين. 

أعداد المهاجرين السوريين في القرنين الماضيين لم تصل إلى حد هذه المأساة التي تعتبرها الامم المتحدة "أسوأ كارثة تصيب البشرية منذ الحرب العالمية الثانية". وتقول المنظمة الدولية أن 16 مليون سوري، أي حوالى 75% من سكان هذا البلد، تأثروا بالحرب.

الأمم المتحدة وأجهزتها وطواقمها هي التي تباشر بالتعاون مع المؤسسات غير الحكومية الدولية أحوال اللاجئين السوريين، في معسكرات النزوح والمشردين بسبب الأعمال العسكرية في الداخل، بمنهجية وخبرة تغيب عن كل المجتهدين الطارئين. وهي وفقاً للقانون الإنساني من تملك تقديم الحماية القانونية، والحماية الجسدية، وتقديم المساعدات الإنسانية. وهي التي ستبقى بعد أن يرحل أو يكلّ المنتفعون والطارئون، وإن طال الأمد، وهي التي تملك الخبرة والمعرفة والتنظيم الذي تحتاجه عملية شبه مستحيلة من هذا النوع. فالأونروا - وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - مثلاً، ما زالت تقدم المساعدة والحماية والمناصرة لحوالي 5 ملايين لاجئ فلسطيني في أماكن متفرقة في الشرق المتسخ منذ أكثر من ستين عاماً.

الأمم المتحدة استطاعت أيضاً إعادة بعض الأمل إلى الصومال المفكك بالتعاون مع المجموعة الإفريقية وإبعاد لاعقي الدم وتثبيت السلم في العاصمة ومساعدة النازحين في رحلة العودة. رجال الدعم المباشر في الأمم المتحدة هم من يعرفون حاجة طفلة تتشبث باكيةً بباب الخيمة، لأنها لم تستطع إنقاذ دميتها بعد أن هوى سقف البيت. أو طفلاً يرسم "صوبته" العتيقة قرب الجدار المتهالك ليدفئ قلبه.

تقول "ناسا" إن قادم الصقيع أسوأ... ولا يلزمك أكثر من أن تكون "ابن ناس" لتجد موقع التبرع المباشر لأي من أجهزة إغاثة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أو الهيئات الدولية غير الحكومية.

خبر ثان:
ناشدت الأمم المتحدة الدول المانحة أمس، الاثنين، توفير 6.5 مليار دولار لسوريا ودول مجاورة لتقديم المساعدة لإجمالي 16 مليون شخص كثير منهم جوعى أو مشردين جراء الصراع الذي أوشك أن ينهي عامه الثالث. وتمثل المناشدة من أجل سوريا نصف خطة التمويل الاجمالية البالغة 12.9 مليار دولار لمساعدة 52 مليون شخص في 17 دولة والتي أطلقتها أمس، الاثنين، فاليري أموس منسقة الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارىء خلال اجتماع للدول المانحة في جنيف.

خاتمة:
"أيقتلكِ البردُ؟
أنا يقتلني نِصفُ الدفءِ...
ونصفُ الموقف... أكثر!" (مظفر النواب)
----------------------------------------------------------
نشرت في آراء بتاريخ:



دومينيك دوفيلبان ومابعد الكولونيالية

 سكرت أوروبا واسكرتنا في 70 عاماً الماضية بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والعهود الدولية والتدريب والتشبيك مع جنيف ونيويورك ولاهاي. هذ...