Tuesday, June 3, 2014

حَكَتْ سارة...

وأقول لها:
صديقتي، أُحدّثك من حيث فشل طه حسين!
أكتب إليك من البلاد التي لم تحفظ عهده في تثبيت التعليم حقاً راسخاً كالماء والهواء والغذاء.. أزف إليك خبر البلاد، التي كانت تدعى "وطنا" فغدت منفى، وألقت بك وراء الأطلسي.
أكتب لك عن بلاد وصلت نسبة الأمية ثلث سكانها بما يقارب المائة مليون نسمة، ونسبة إنفاقها على التعليم لا تتجاوز 3٪ من ناتجها الوطني، تنفق 100 مليار دولار على السلاح ولا يحظى التعليم بما يوازي نصفها. الأمن هنا يا صغيرتي يأتي أولاً.. هنا الأمن أثمن من التعليم والعمل والصحة كلها مجتمعة!

ثم أتمضمض الدم إذا لمع في العين أطفال يلتحفون الأرصفة.

تحلمين ويحق لك الحلم، ولكن هذه الأرض غير متاحة لأحلام 6 آلاف زهرة مثلك.

لن أكون واقعياً جداً لأقسو عليك، ولا حالماً لأغبنك بإدافة نصف حقيقة مرّ.
ما تقولين أنه "سلاح" العلم الأمضى لم يستطع أن يغير واقعنا في تاريخ الابتعاث إلى الخارج طوال القرن الماضي، حتى غدا "الابتعاث" إلى الخارج وسيلة يتخلص بها المتخمون من "صداع" الأمل في زمن العلم والعولمة و"ستاربكس".

أنبيك أن قبضات إخوتك سقطت في كل أوجاع البلاد، ولم تتمكن من وضع زهرة في جوارها الصحيح في مكان القرار. 6 آلاف حلم هو حلم قصير في ليلنا يا سارة. 100 ألف بالكاد تكفي.. ولن تكفي لتزيح الظلمة التي رانت عقودا. سقطنا في اختبار الولادة العسير، وبتنا ندفئ صغار الأحلام ساعة في ثكنات العسكر وساعة في منابر الوعاظ.. أترابك يا سارة يلتحفون الطوائف للنجاة من الطوفان. ويتخذون "القدور" مراكب للهرب!

هل من الحكمة أن ننتظر فجرك؟ هل من الحكمة أن يبزغ الفجر قبل تمام الليل؟

أي حلمٍ تنشدين يا سارة.. وأي وعد تحمله لك الساحات؟
وعد الحرية؟! وأقصى ما نطاله حرية العَدْو أمام رصاصة لقناص، أو خلف راية مستعارة، أو أسفل جنازة؟!

"قضبي أرضچ" يا صديقتي.. هي "أرض الأحلام" وما عداها، في مدارنا، طوق الكوابيس.

ولا يفوتني في نهاية هذا الفزع والفَرَق على بهائك، أن أضم كفي إلى أكفكم، ونرمي سوية قبعة التخرج، أنت وصحبك غبطة إلى أعلى سماء، ستمطر هنا يوما.

وعد سارة ما زال طليقاً على صفحات الشبكة [هنا]

آخراً، لن أعتذر عن تأخر المقال الأسبوعي، فكتابة مبرمجة لا تهمكم، هي حتماً لن تغريني!

-----------------------------

نشر في آراء الإلكترونية بتاريخ  2014/6/3

Tuesday, January 28, 2014

عزيزي الله!

نشر موقع الحوار المتمدن، في عدده: 2214 بتاريخ 8 / 3 / 2008، ترجمة مشفوعة بقراءة للكاتبة والشاعرة المصرية، فاطمة ناعوت، نقلت فيها طلب معلمة أميركية من الأطفال "أن يوجهوا رسائل إلى الله في الكريسماس، يسألونه عن أحلامهم وأمنياتهم. أو يوجهون إليه أسئلة عما يخفق الأبوان والمعلمون في الإجابة عنه". وصلت فيه إلى نتيجة مفادها أن "الجهل يفتح مدارك الإنسان نحو أقصى مدارج السؤال"، وأن المعرفة الحتمية تقص أجنحة التحليق في أفق الإبداع، وتخمد شطحاتها بالنظرية، وبالحكم المسبق. تميزت إجابات الأطفال بالنقاء والبراءة والعفوية إلى درجة الدهشة التي تسابق الخيال وتطاول قمم الشاعرية.
لستُ، هنا، في معرض إعادة المقال ومبانيه وأفكاره، لكنني استعدته اليوم تحديداً، بعد أكثر من خمسة أعوام لأقيس أفكاره على واقع التربية العملية للأطفال في عالم اليوم، والمدى المتاح لهم في التساؤل وتشكُّل الوعي، إسقاطاً على ما ندعيه من إيمان بحرية الرأي والتعبير وحق الطفل في الحياة والأمن والتنشئة السليمة.
نشرتُ اليوم في معرفي على موقع التواصل الاجتماعي، "تويتر"، بعض التغريدات التي تنقل مجموعة من الرسائل البكر التي كتبها أولئك الأطفال، موقناً من الفصل الأول أننا لا نقرأ، وإن قرأنا فإن ذاكرتنا القصيرة: ذاكرة الطير الأزرق، سرعان ما تنسى وقلَّما تُثبت!
ربما كنت أريد أن أتبين، شخصياً، وجود فرص سانحة لأجيالنا القادمة في المتخيل من العوالم المخيفة المقبلة. ربما كنت أبغي قياس مدى إيماننا بحرية الأطفال في التعبير عن مخاوفهم وتساؤلاتهم... ربما كنت أريد أن أعرف إن كان أطفالنا ما زالوا يعيشون نفس القلق ويسألون ذات الأسئلة؟ وهل مجتمعاتنا التي تتباكى على آلام الطفولة، حولنا، تعرف حقاً ما هي آفاق حقوق الطفل؟
لا أنكر أني فوجئت لأمرين؛ أولهما يصب في مصلحة الطفل، فقد وجدت تفاعلاً إيجابياً كبيراً في المتابعة، وتكرار إعادة رسائل الأطفال الأنيقة مرات عديدة وتفهماً كاملاً، حتى أن إحدى المعلمات تعهدت بأن تطلب من طلابها أن يكتبوا رسائلهم الخاصة بحرية تامة.
أما ثانيهما، فكان غريباً بصورة مزدوجة!
وجه الغرابة فيه، أن كثيراً من متابعيّ المعروفين قرروا إلغاء المتابعة مباشرةً، وعدم الاستماع وعدم التثبت، وهم الكثرة، أما القلة فلم تقرأ أصل الرسائل ولم تقم بأي بحث بسيط تتعرف به إلى أصل الموضوع، ولا كلفت نفسها عناء السؤال المباشرة قبل إطلاق الحكم الصلب والشتيمة الصلفة التي وصلت إلى الاتهام بإساءة الأدب مع الخالق! والإصرار على الإساءة بـ "تحريم" نقل تساؤلات الطفولة إلى العلن!
في مجتمع لا يقرأ أكثر من 4 دقائق سنوياً، لا أتوقع معرفة، كما أسلفتُ، بموقع الحوار المتمدن أو مقال الأخت فاطمة ولا قصة المعلمّة التي انتشرت أيضاً في المنتديات حينها. لكن ما أثار استغرابي أننا لا نقرأ ولا نستدرك قبل أن نهاجم ولا نلتمس العذر حتى وإن كان البيان واضحا مشهراً أمام أعيننا!
أي أمل، وهذا هو الحال، لدعاوانا بالمطالبة بحرية التعبير، إن لم تترافق مع حرية البحث العلمي وحرية الاعتقاد والتحرر من الخوف والاضطهاد والإخفاء! هل يصح أن تكون لي حرية التعبير والسؤال عما أشاء، وفي نفس الوقت يحق لك أن تفعل بي، جراء ما أقول وأؤمن، ما تشاء؟
حرية البحث والسؤال والتعبير، حقوق أصيلة، وهي جزء من منظومة لا تنفصل ولا تتجزأ قيمُها، حزمة كاملة يجب الدفاع عنها وحمايتها وليس فقط الإيمان بها... وإذا كان هذا حظ أحد الكبار الذين نقلوا تساؤلات الطفولة، فما هو قدر الشفقة الذي ينبغي أن نسكبه على أرواح الصغار؟!

----------------------------
هنا، استعادة لبعض رسائل الأطفال الأميركيين فيما كتبوا إلى "القدير" دونما تدخل من مؤسسة البيت أو المدرسة:
عزيزي الله،
في المدرسة يخبروننا أنك تفعل كلّ شيء. مَن الذي يقوم بمهامك يوم إجازتك؟
جين
عزيزي الله،
هل فعلا كنت تقصد أن تكون الزرافة هكذا، أم حدث ذلك نتيجة خطأ ما؟
نورما
عزيزي الله،
بدلا من أن تجعل الناس يموتون، ثم تضطر لصناعة بشر جديدين، لماذا لا تحتفظ وحسب بهؤلاء الذين صنعتهم بالفعل؟
جين
عزيزي الله،
مَن رسم هذه الخطوط على الخريطة حول الدول؟
نان
عزيزي الله،
قرأتُ الإنجيل. ماذا تعني كلمة “ينجب”؟ لم يجبني أحد.
مع حبي، آليسون
عزيزي الله،
هل أنت فعلا غير مرئي، أم أن هذه حيلة أو لعبة؟
لاكي
عزيزي الله،
من فضلك ارسلْ لي حصانا صغيرا. ولاحظ أني لم أسألك أيّ شيء من قبل، وتستطيع التأكد من ذلك بالرجوع إلى دفاترك.
بروس
عزيزي الله،
ذهبت إلى حفل الزفاف هذا، ورأيتهم يقبّلون بعضهما في الكنيسة. هل هذا جائز؟
نيل
عزيزي الله،
هل حقا تعني ما قلته: رُدَ للآخرين ما أعطوك إياه؟ لأنك لو تعني ذلك فسوف أعيد لأخي ركلتَه.
دارتا
عزيزي الله،
ماذا يعني أنك ربٌّ غيور؟ كنتُ أظنُّ أن لديك كل شيء.
جين
عزيزي الله،
شكرا على أخي المولود الذي وهبتنا إياه، أمس، لكن صلواتي لك كانت بخصوص جرو! هل حدث خطأ ما؟
جويس
عزيزي الله،
لقد أمطرتْ طيلة الإجازة. وجنّ جنون أبي! فقال بعض الكلمات عنك مما ينبغي ألا يقولها الناس، لكنني أرجو ألا تؤذيه بسبب ذلك على كل حال.
صديقك... (عفوا لن أخبرك عن اسمي)
عزيزي الله،
لماذا "مدرسة الكنيسة" يوم الأحد؟ كنت أظنُّ أن الأحد هو يوم إجازتنا.
توم أل
عزيزي الله،
إذا كنا سنعود من جديد في هيئات أخرى - من فضلك لا تجعلني جانيفر هورتون لأنني أكرهها.
دينيس
عزيزي الله،
إذا أعطيتني المصباح السحري مثل علاءالدين، سوف أعطيك بالمقابل أي شيء تطلبه، ما عدا فلوسي ولعبة الشطرنج خاصتي.
رفائيل
عزيزي الله،
شقيقي فأر صغير. كان يجب أن تمنحه ذيلا. ها ها..
داني
عزيزي الله
قابيل وهابيل ربما ما كانا ليقتلا بعضهما البعض جدا لو أن أباهما أعطى لكل منهما غرفة مستقلة. لقد جرّبنا ذلك ونفع هذا الأمر مع شقيقي.
لاري
عزيزي الله،
أحب أن أكون مثل أبي عندما أكبر، لكن ليس بكل هذا الشعر في جسده.
سام
عزيزي الله،
ليس عليك أن تقلق عليّ كثيرا. فأنا أنظر للجهتين دائما حين أعبر الطريق.
دين
عزيزي الله،
أظن أن دبّاسة الأوراق هي أحد أعظم اختراعاتك.
روث م
عزيزي الله،
أفكر فيك أحيانا، حتى حين لا أكون في الصلاة.
إيليوت
عزيزي الله،
أراهن أن ليس بوسعك أن تحب جميع البشر في العالم. يوجد أربعة فقط في أسرتي ولم أستطع أن أفعل ذلك.
نان
عزيزي الله،
بين كل البشر الذين عملوا من أجلك، أحبُّ أكثرهم نوح وداود.
روب
عزيزي الله،
إذا شاهدتني يوم الأحد في الكنيسة، سوف أريك حذائي الجديد.
ميكي دي
عزيزي الله،
أود أن أعيش 900 عام مثل ذلك الرجل في الإنجيل.
مع حبي، كريس
عزيزي الله،
قرأتُ أن توماس إديسون اخترع اللمبة. وفي المدرسة يقولون إنك من صنع النور. أراهن أنه سرق فكرتك.
المخلصة، دونّا
عزيزي الله،
الأشرار سخروا من نوح: “تصنع سفينةً فوق الأرض الجافة أيها الأحمق!” لكنه كان ذكيًّا، كان ملتصقا بك. هذا ما سوف أفعله أيضا.
إيدين
عزيزي الله،
لم أكن أصدق أن اللون البرتقالي يمكن أن يتماشى جماليا مع اللون الأرجواني، حتى شاهدت غروب الشمس الذي صنعتَه يوم الثلاثاء. كم كان ذلك جميلا!
إيوجين
عزيزي الله،
لا أعتقد أن ثمة من يمكن أن يكون ربًّا أفضل منك. حسنا، فقط أريدك أن تعرف أنني لا أقول ذلك لأنك أنت الربُّ بالفعل.
تشارلز
-------------

نشر في موقع آراء بتاريخ: 28/01/2014 



Tuesday, January 21, 2014

"الصهد".. رواية "البدون !


كلُّ عابرٍ إلى "صهد" ناصر الظفيري؛ وجد ما يغريه بالاتصال به. مَن توقف عند الكتاب الأول منه غمرته غابة المانجروف، وسحر الصحراء، وذئب الغريزة البكر. ومن انغمس في بقية فصول الرواية تجاذبته حبال الأواصر الإنسانية وتلاحق الأحداث في حبكة درامية - حديثة - لا تغيبُ عنها الإثارة منذ الدهشة الأولى. لقد تميزت رواية "الصهد" بمهارة التشكيل الفني وبناء الأحداث. إنها عمل كُتب عن مجتمعٍ محلي بحبرِ العالم... وبأصابع الجنيَّات.

شخصيات عدة تناوبت السرد بوقع رشيق، وظّفها "الظفيري" ليعبِّر عن اختلاف منظور الأجيال للظواهر الاجتماعية والسياسية. وكل شخصية منها أخذت حقها في إضاءة شيء من هذا الاختلاف. مفارقات ساهمت في "تجديل" ضفائر الرواية ونسج عباءة أفكارها. كما تناوب الإيقاع في فصولها - بين البطيء المكثف الذي غالبا ما برز في الكتاب الأول، والسريع في جزئها الثاني - تبعاً لميزان العصر وتسارع الأحداث اللاهث أحيانا؛ كما في ختام الرواية، وكأن الراوي أراد أن يرمي بقلمه ويفرَّ من برودة الفقد وحرارة الدموع. كل هذا رسمَ فضاء النص وإيقاعه الكلي في موسيقى متناغمة، ربما ساعدت قراءه على الاشتباك مع الرواية حتى "منجل" النهاية.

اجتهد "الظفيري"، وهو يستعرض الأحداث التاريخية، أن يلبس ثوب الحياد، فقدم أكثر من شخصية تتعدد رؤاها السياسية والاجتماعية والدينية، مجتهدًا الابتعاد عن الخطابة الأيديولوجية ولغة الناطق الرسمي، ملتصقا بالرؤية الفنية الخالصة وعناصر التشكيل الجمالي، وإن كانت الرواية - في بعدها التاريخي - تطرح بعض التساؤلات من باب علاقة الفرد "البدون" بالمجتمع والأحداث التي تدور حوله.

من أي الأبواب يمكن لنا الولوج إلى عبارة: "الصهد" رواية "البدون" ؟!

الاحتمال الأول البسيط للعبارة، والفكرة المباشرة فيها، هي أن الراوية الرئيسي ومركز الأحداث في أغلب مفاصل العمل كان شخصية من البدون (شومان، علي، ليال... الخ).
والاحتمال الثاني، هو "الفكرة التأسيسية" التي تطرحها "الصهد". وهنا نحتاج شيئا من التفصيل. ففكرة الوطن والانتماء والمنفى والغربة وأزمة الهُوية، وحتى الامتدادات الثقافية في الكويت؛ كلها غير متفق عليها. فكل مجموعة من المجاميع التي تشكل "أهل" الكويت لها تاريخها الخاص وجذورها الثقافية الخاصة التي ترسم رؤيتها للتاريخ المَحكي، وهو ما لا يتفق بالضرورة مع التاريخ الرسمي، أو المدون منه.
كل هذه المجاميع؛ كان لها دور معين في تاريخ البلاد، يتمدد وينكمش وفق أمواج السياق، وبناءً عليه تورِّث أفكارها إلى مستقبل أبنائها. وهذا أول مفاتيح فك المشهد الوطني، وطرح الرؤى والأفكار حوله؛ من زاوية أبطاله ووجهات نظرهم.

"الصهد" تنقل "البدون - العضوي" من هامش المشهد الوطني إلى صلب المركز، وتبني حوله الأحداث. فلا يكون فيها مجرد عنصر مكمل لعناصر القص بحكم الواقع، كما في روايات متعددة لامست وضعه من ناحية أو أخرى وفق حبكتها الدرامية. أعمال ربما اتكأت أساسا على النسب الإحصائية الملتبسة لتعداد البدون السكاني وتأثيرهم في المشهد الكويتي العام!

بينما يحضر في "الصهد" كامل المشهد الاجتماعي والسياسي والتاريخي، ولا يغيب "البدون" عن أي من سياقاته. وتتعدد فيه مواقف الشخوص الممثلة لأفكار متنوعة ضمن الهُوية "البدونية" الشاملة يسهل معها تعقب نماذج السلوك وطريقة الحياة. 

"البدون" في "الصهد" ثابت في بؤرة السرد وفي كل مستوياته الأخرى. أي أن للبدون سردياته الخاصة التي لا علاقة لها بموقفه السياسي أو مكانته الاجتماعية أو الاقتصادية، ولا بعشقه أو بغضه لفكرة الوطن أو محيطه المجتمعي. ولا حتى "جنسيته" ! فكلنا "بدون" بشكل أو بآخر، وكلنا منفيون لسبب أو لآخر.

إذا اقتنعنا بهذا المستوى من فك رموز الرواية، يمكننا أن نسقط بسهولة شخصية "ليال" (البدون) على رمز الوطن الشاب الذي يفتش عن أحلامه وهُويته وكيانه الحر، ويتلقى الصفعات والخيانات والاغتصاب والامتهان في كل مرة. حتى انتقامه الصغير كان ناقصاً... حلم لذيذ يغيِّب عن وعيك - وأنت تولجه القبرَ - التيقنَ إن كانت تلك مقبرته الصحيحة! ونقتطع لـ "ريما" (الفلسطينية) حصتها من القضية إذْ تقول: "أنا مجموعة أوطان تتقاسم إنساناً، وتتجاذبه، دون أن يكون له أدنى إرادة أو رأي في اختيار مكانه".


----------------------------------------------------------
نشرت في آراء بتاريخ:
21 / 1 / 2014 



Thursday, January 2, 2014

شخص تتمنى له عاماً سعيداً



عروس الشهداء الصحافية نورس النعيمي
(أيها القاتل في باب البيت : شكرًا ، رصاصاتك زفّت "نورسي" عروساً إلى الجنان.. نجَحت هي في اختبارها الإنساني وفشِلت في اختبارك.. سلَبْت حقيبة يدها.. يا لبؤسك .. أما هي فلم تترك لك كراسها المبلل بأحمر الشهادة، والمعنون: المدخل إلى حقوق الإنسان!

بنيّ.. نعم، كلكم أبنائي، أنت لم تقلع عبير زهرتي وإن دهستها بقدمك.. من سوى الأم تزرع من كل هذا الألم والخراب غيمة من الأمل. من يقطع دائرة الفناء؟ أنا عراقكم.. يا بني.

أقبل رأسك.. لا تَخَف، هو الخوف الذي اختار لك الصمت، أنت لا تدري ما تصنع، وثكلي لن تبلغه إلا أمك ساعة الثكل بك.. أنا وحدي من أعلم يقيناً أن عصفورتي في الجنة، وأنك كنت دليلها حيث هناك. سأبتسم لأحلامها.. سنرقص معا في حدائقها ونغني.. وأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك.)



إنه درس الإنسانية من أم الصحافية العراقية الشهيدة نورس النعيمي مقدمة البرامج في قناة الموصلية لقاتل ابنتها بعد أن قبلت رأسه!

 

روحها التي امتزجت بروح الله، ابن مريم، وهو يُصلي لمن أساء له، منادياً: "لو تكلمتُ بلغات الناس والملائكة ولم تكن لي المحبة، فما أنا إلا نحاسٌ يطنُّ أو صنجٌ يَرنّ"، روحها الصالحة التي لا تخاف من قتل الجسد، بل من هلاك الروح في لظى البغض. هي ربة الخراف، لا تدعُها مذعورة في الليل تتكئُ إحداها على الأخرى، تبذلُ مهجتها دونها وتفتح بابها للنور والخلاص.



تضيءُ السراج لكل من في البيت، ليست أسطورة العالم - كما كان مانديلا - ولكنها نبراس المعذبين في الأرض، تنجو من عاصفة ولا تعثر.. تسند الشجرة الإفريقية إن لزمها القيام!



تشير إلى أفلاطون أسفل قدميها، تنبؤه أن السعادة مستحيلة وإن امتلكتْ بصيرة في الخير وقدرة على دحر الشر.


تسبق طاغور في حدائق القلب تزيل الأشواك.. تعَلَّمتِ الكثير.. ولم يبقَ للأشواك دروس تلقيها..
..

الضمير جرح لا يقتل ولا يلتئم "يا ولدي، أنت جاهلٌ أميٌّ لا تعرف القراءة والكتابة.. وابنتي تتحدث لغتين"..



لو كانت تتحدث لغتك أماه فهي هنا الآن بيننا.


لأمهات اللغة.. للغة الأمهات في كل بلاد الحروق.. كُنّ بخير.



--------------------------------------
(فيديو) الرواية هنا
--------------------------------------
نشرت في آراء بتاريخ:



دومينيك دوفيلبان ومابعد الكولونيالية

 سكرت أوروبا واسكرتنا في 70 عاماً الماضية بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والعهود الدولية والتدريب والتشبيك مع جنيف ونيويورك ولاهاي. هذ...