Tuesday, January 28, 2014

عزيزي الله!

نشر موقع الحوار المتمدن، في عدده: 2214 بتاريخ 8 / 3 / 2008، ترجمة مشفوعة بقراءة للكاتبة والشاعرة المصرية، فاطمة ناعوت، نقلت فيها طلب معلمة أميركية من الأطفال "أن يوجهوا رسائل إلى الله في الكريسماس، يسألونه عن أحلامهم وأمنياتهم. أو يوجهون إليه أسئلة عما يخفق الأبوان والمعلمون في الإجابة عنه". وصلت فيه إلى نتيجة مفادها أن "الجهل يفتح مدارك الإنسان نحو أقصى مدارج السؤال"، وأن المعرفة الحتمية تقص أجنحة التحليق في أفق الإبداع، وتخمد شطحاتها بالنظرية، وبالحكم المسبق. تميزت إجابات الأطفال بالنقاء والبراءة والعفوية إلى درجة الدهشة التي تسابق الخيال وتطاول قمم الشاعرية.
لستُ، هنا، في معرض إعادة المقال ومبانيه وأفكاره، لكنني استعدته اليوم تحديداً، بعد أكثر من خمسة أعوام لأقيس أفكاره على واقع التربية العملية للأطفال في عالم اليوم، والمدى المتاح لهم في التساؤل وتشكُّل الوعي، إسقاطاً على ما ندعيه من إيمان بحرية الرأي والتعبير وحق الطفل في الحياة والأمن والتنشئة السليمة.
نشرتُ اليوم في معرفي على موقع التواصل الاجتماعي، "تويتر"، بعض التغريدات التي تنقل مجموعة من الرسائل البكر التي كتبها أولئك الأطفال، موقناً من الفصل الأول أننا لا نقرأ، وإن قرأنا فإن ذاكرتنا القصيرة: ذاكرة الطير الأزرق، سرعان ما تنسى وقلَّما تُثبت!
ربما كنت أريد أن أتبين، شخصياً، وجود فرص سانحة لأجيالنا القادمة في المتخيل من العوالم المخيفة المقبلة. ربما كنت أبغي قياس مدى إيماننا بحرية الأطفال في التعبير عن مخاوفهم وتساؤلاتهم... ربما كنت أريد أن أعرف إن كان أطفالنا ما زالوا يعيشون نفس القلق ويسألون ذات الأسئلة؟ وهل مجتمعاتنا التي تتباكى على آلام الطفولة، حولنا، تعرف حقاً ما هي آفاق حقوق الطفل؟
لا أنكر أني فوجئت لأمرين؛ أولهما يصب في مصلحة الطفل، فقد وجدت تفاعلاً إيجابياً كبيراً في المتابعة، وتكرار إعادة رسائل الأطفال الأنيقة مرات عديدة وتفهماً كاملاً، حتى أن إحدى المعلمات تعهدت بأن تطلب من طلابها أن يكتبوا رسائلهم الخاصة بحرية تامة.
أما ثانيهما، فكان غريباً بصورة مزدوجة!
وجه الغرابة فيه، أن كثيراً من متابعيّ المعروفين قرروا إلغاء المتابعة مباشرةً، وعدم الاستماع وعدم التثبت، وهم الكثرة، أما القلة فلم تقرأ أصل الرسائل ولم تقم بأي بحث بسيط تتعرف به إلى أصل الموضوع، ولا كلفت نفسها عناء السؤال المباشرة قبل إطلاق الحكم الصلب والشتيمة الصلفة التي وصلت إلى الاتهام بإساءة الأدب مع الخالق! والإصرار على الإساءة بـ "تحريم" نقل تساؤلات الطفولة إلى العلن!
في مجتمع لا يقرأ أكثر من 4 دقائق سنوياً، لا أتوقع معرفة، كما أسلفتُ، بموقع الحوار المتمدن أو مقال الأخت فاطمة ولا قصة المعلمّة التي انتشرت أيضاً في المنتديات حينها. لكن ما أثار استغرابي أننا لا نقرأ ولا نستدرك قبل أن نهاجم ولا نلتمس العذر حتى وإن كان البيان واضحا مشهراً أمام أعيننا!
أي أمل، وهذا هو الحال، لدعاوانا بالمطالبة بحرية التعبير، إن لم تترافق مع حرية البحث العلمي وحرية الاعتقاد والتحرر من الخوف والاضطهاد والإخفاء! هل يصح أن تكون لي حرية التعبير والسؤال عما أشاء، وفي نفس الوقت يحق لك أن تفعل بي، جراء ما أقول وأؤمن، ما تشاء؟
حرية البحث والسؤال والتعبير، حقوق أصيلة، وهي جزء من منظومة لا تنفصل ولا تتجزأ قيمُها، حزمة كاملة يجب الدفاع عنها وحمايتها وليس فقط الإيمان بها... وإذا كان هذا حظ أحد الكبار الذين نقلوا تساؤلات الطفولة، فما هو قدر الشفقة الذي ينبغي أن نسكبه على أرواح الصغار؟!

----------------------------
هنا، استعادة لبعض رسائل الأطفال الأميركيين فيما كتبوا إلى "القدير" دونما تدخل من مؤسسة البيت أو المدرسة:
عزيزي الله،
في المدرسة يخبروننا أنك تفعل كلّ شيء. مَن الذي يقوم بمهامك يوم إجازتك؟
جين
عزيزي الله،
هل فعلا كنت تقصد أن تكون الزرافة هكذا، أم حدث ذلك نتيجة خطأ ما؟
نورما
عزيزي الله،
بدلا من أن تجعل الناس يموتون، ثم تضطر لصناعة بشر جديدين، لماذا لا تحتفظ وحسب بهؤلاء الذين صنعتهم بالفعل؟
جين
عزيزي الله،
مَن رسم هذه الخطوط على الخريطة حول الدول؟
نان
عزيزي الله،
قرأتُ الإنجيل. ماذا تعني كلمة “ينجب”؟ لم يجبني أحد.
مع حبي، آليسون
عزيزي الله،
هل أنت فعلا غير مرئي، أم أن هذه حيلة أو لعبة؟
لاكي
عزيزي الله،
من فضلك ارسلْ لي حصانا صغيرا. ولاحظ أني لم أسألك أيّ شيء من قبل، وتستطيع التأكد من ذلك بالرجوع إلى دفاترك.
بروس
عزيزي الله،
ذهبت إلى حفل الزفاف هذا، ورأيتهم يقبّلون بعضهما في الكنيسة. هل هذا جائز؟
نيل
عزيزي الله،
هل حقا تعني ما قلته: رُدَ للآخرين ما أعطوك إياه؟ لأنك لو تعني ذلك فسوف أعيد لأخي ركلتَه.
دارتا
عزيزي الله،
ماذا يعني أنك ربٌّ غيور؟ كنتُ أظنُّ أن لديك كل شيء.
جين
عزيزي الله،
شكرا على أخي المولود الذي وهبتنا إياه، أمس، لكن صلواتي لك كانت بخصوص جرو! هل حدث خطأ ما؟
جويس
عزيزي الله،
لقد أمطرتْ طيلة الإجازة. وجنّ جنون أبي! فقال بعض الكلمات عنك مما ينبغي ألا يقولها الناس، لكنني أرجو ألا تؤذيه بسبب ذلك على كل حال.
صديقك... (عفوا لن أخبرك عن اسمي)
عزيزي الله،
لماذا "مدرسة الكنيسة" يوم الأحد؟ كنت أظنُّ أن الأحد هو يوم إجازتنا.
توم أل
عزيزي الله،
إذا كنا سنعود من جديد في هيئات أخرى - من فضلك لا تجعلني جانيفر هورتون لأنني أكرهها.
دينيس
عزيزي الله،
إذا أعطيتني المصباح السحري مثل علاءالدين، سوف أعطيك بالمقابل أي شيء تطلبه، ما عدا فلوسي ولعبة الشطرنج خاصتي.
رفائيل
عزيزي الله،
شقيقي فأر صغير. كان يجب أن تمنحه ذيلا. ها ها..
داني
عزيزي الله
قابيل وهابيل ربما ما كانا ليقتلا بعضهما البعض جدا لو أن أباهما أعطى لكل منهما غرفة مستقلة. لقد جرّبنا ذلك ونفع هذا الأمر مع شقيقي.
لاري
عزيزي الله،
أحب أن أكون مثل أبي عندما أكبر، لكن ليس بكل هذا الشعر في جسده.
سام
عزيزي الله،
ليس عليك أن تقلق عليّ كثيرا. فأنا أنظر للجهتين دائما حين أعبر الطريق.
دين
عزيزي الله،
أظن أن دبّاسة الأوراق هي أحد أعظم اختراعاتك.
روث م
عزيزي الله،
أفكر فيك أحيانا، حتى حين لا أكون في الصلاة.
إيليوت
عزيزي الله،
أراهن أن ليس بوسعك أن تحب جميع البشر في العالم. يوجد أربعة فقط في أسرتي ولم أستطع أن أفعل ذلك.
نان
عزيزي الله،
بين كل البشر الذين عملوا من أجلك، أحبُّ أكثرهم نوح وداود.
روب
عزيزي الله،
إذا شاهدتني يوم الأحد في الكنيسة، سوف أريك حذائي الجديد.
ميكي دي
عزيزي الله،
أود أن أعيش 900 عام مثل ذلك الرجل في الإنجيل.
مع حبي، كريس
عزيزي الله،
قرأتُ أن توماس إديسون اخترع اللمبة. وفي المدرسة يقولون إنك من صنع النور. أراهن أنه سرق فكرتك.
المخلصة، دونّا
عزيزي الله،
الأشرار سخروا من نوح: “تصنع سفينةً فوق الأرض الجافة أيها الأحمق!” لكنه كان ذكيًّا، كان ملتصقا بك. هذا ما سوف أفعله أيضا.
إيدين
عزيزي الله،
لم أكن أصدق أن اللون البرتقالي يمكن أن يتماشى جماليا مع اللون الأرجواني، حتى شاهدت غروب الشمس الذي صنعتَه يوم الثلاثاء. كم كان ذلك جميلا!
إيوجين
عزيزي الله،
لا أعتقد أن ثمة من يمكن أن يكون ربًّا أفضل منك. حسنا، فقط أريدك أن تعرف أنني لا أقول ذلك لأنك أنت الربُّ بالفعل.
تشارلز
-------------

نشر في موقع آراء بتاريخ: 28/01/2014 



دومينيك دوفيلبان ومابعد الكولونيالية

 سكرت أوروبا واسكرتنا في 70 عاماً الماضية بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والعهود الدولية والتدريب والتشبيك مع جنيف ونيويورك ولاهاي. هذ...