Monday, May 14, 2012

الساقي.. محمد سالم

شاهدته لأول مرة رفقة الكاميرا في احتفالية يوم الشعر في جمعية الخريجين ، كنت أرمقه عن بعد ، كان ضوء عدسة الكاميرا التي يحملها يضيئ المكان في كل مرة يلتقط فيها صورة لفعاليات الحفل فتلتفت إليه الأبصار دون أن نشعر ، ضايقني بين إقبال وإدبار أمامي بينما كنت منهمكاً في متابعة الشعر ، فللشعر وحده أتيت لا لشئ آخر ، أحسَّ بمدى الإزعاج الذي سببه لي ، التفت إلي وبادرني بابتسامة واعتذر ، قبلت عذره لأن ابتسامته كانت نعم الشفيع له ، ثم عدت إلى متابعة الشعر من جديد ، وكان كل شاعر مشارك عند فراغه من مشاركته يقدم الشاعر الذي يليه ، حتى جاء الدور على أحد الشعراء فقدم زميله الذي يليه قائلاً : والآن جاء دور الشاعر "محمد سالم" ، وإذا بصاحبي ذي الابتسامة يضع الكاميرا جانباً ويرتقي المنصة ليلقي قصيدة جميلة جداً ، قصيدة تغزل فيها بمعشوقته "تيماء" دون أن يسمي ، نالت قصيدته استحسان الحضور وضجت القاعة بالتصفيق له ، وبعد الأمسية اتجهت صوبه ، صافحته ، شكرته على قصيدته الجميلة ابتسم مرة أخرى وقال لي : لم أستطع أن أسمي معشوقتي ، لكنها بدت لي ولمن يشاركنا ذاك العشق واضحة المعالم يا محمد .
ذاك هو لقائي الأول والأوحد بالمبدع محمد سالم وهو لا يعرفني حتى هذه اللحظة ، لكنني تشرفت بمزاملته في "تويتر" ، فأحسست بأنني أعرفه عن قرب ، فوجدته إنساناً بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، يحمل همّ قضيته كما أفعل أنا ، يحاول التخفيف عن المضطهدين من أبناء جلدته ، يشارك في كل فعالية تدفع بعجلة القضية إلى الأمام ، سخر جميل قصائده لنصرة قضيته ، كان يشجع الجميع ويشد من أزرهم ، كان يثني عليّ بعد كل مقالة يقرؤها عن قضية البدون ، كنت أفرح بثنائه لا لشئ إلا لأنني أعرف ذائقته الجميلة فأعرف بأنني قدمت ما يليق .
"محمد سالم" شاعر جميل ، ومغرد مميز ، وأب رائع لورود جميلة تتغنى صباح مساء بكتاب الله عز وجل حفظاً وتلاوة ، فحق له أن يرفع بهن رأساً كحافظات لكتاب الله ، وحق لهن أن يرفعن به رأساً كأب وشاعرٍ مميز ، وإنسان يمارس إنسانيته بلا تكلف .
محمد سالم يقبع الآن خلف قضبان السجن في متر مربع ، لأنه لم يرتكب ذنباً ! ، لا تستغربوا ... فهو مسجون لأنه لم يرتكب ذنباً فهذا هو قدره أن يسجن حين يكون الكثيرون ممن يرتكبون الذنوب طلقاء خلف أسوار السجون ، وكل ما فعله هو أنه طالب بحقه بطريقة يراها هو مشروعة ويقره عليها الدستور الذي يرتضونه بينهم حكماً ، ولكن الآخرين ضاقوا ذرعاً به وبمن معه ، ونسوا أن محمداً ومن معه ضاقوا ذرعاً أيضاً بالممارسات اللاإنسانية التي تمارس في حقهم ، وعلموا أنه لا حيلة للمضطر إلا ركوب الأسنة ، فخرجوا وخرج محمد لكنه لم يعد ، وربما يكون هو من اختار عدم العودة إلا برأس مرفوع .
قبل أيام قلائل كرمت وردة من ورود "محمد سالم" لإتمامها حفظ أحد عشر جزءاً من كتاب الله عز وجل ، حضرت الوردة ، وحضر القرآن المحفوظ في صدرها ، وحضر الجميع ، وغُيِّب "محمد سالم" الساقي لتلك الوردة الجميلة ، ليحرموا وردته من اكتمال فرحتها بوجود أبيها ، وليحرموا أباها من أن يكحل عينه برؤيتها ترفرف في رحاب القرآن .
في جمعة (لدي حلم) قام أطفال البدون بتوزيع الورود على قياديي وزارة الداخلية المتواجدين في ساحة الحرية في تيماء ، إحدى ورود محمد سالم كانت توزع الورود ، لكنها لم تكن تعلم أنها تقدم الوردة لمن سيعتقل الساقي ! .
سيخرج محمد من معتقله لأنه دخله بلاذنب ، وحتماً سيخرج منه ليخبرنا الحقيقة ، وليعلم الجميع حينها ، أيّنا ذو ذنب ، فمحمد ليس إلا واحد من آلاف يعانون ويقاسون ، ويرمون في بحر المعاناة ويقال لهم : حذارِ أن تبتلّوا ، وماهو إلا نموذج أراد هو بنفسه أن يسلط الضوء عليه ليعلم الجميع أن في الزوايا المظلمة أنين جرحى لا يعيه إلا من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، فشكراً محمد لأنك أثبت لهم المقولة التي تقول : أنا هنا أعاني .. إذن أنا بدون !

بقلم: منصور الغايب
Mansour_m@

نشر في جريدة سبر الالكترونية
http://sabr.cc/m/inner.aspx?id=30375&cat=12
بتاريخ:
07/05/2012

التعليق:

لا أدري لماذا كنت أشاغب من سيصر لاحقاً على أن يلتقط عيني إلى طيب روحه، كنت أفتش عن الانسان ما وراء جدلية الشعر فوجدته يمدّ مودة الوطن نحوي، لاحقاً عرفت أن المنصور.. لا يغيب عن حقه حيث حلّ.
منصور، يا صاحبي، الطريق طويل وأنت فيه نعم الرفيق.

محمد السالم

دومينيك دوفيلبان ومابعد الكولونيالية

 سكرت أوروبا واسكرتنا في 70 عاماً الماضية بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والعهود الدولية والتدريب والتشبيك مع جنيف ونيويورك ولاهاي. هذ...