Tuesday, November 26, 2013

ترحيل سعودي إلى.. نيجيريا !


ما تلبث أن تختار عنوانا كهذا حتى تنهمر عليك الردود العنصرية والتشكيكية أو تلك التي تحتوي على إساءة لأي من الأعلام الواردة فيه بما فيهم كاتب المقال نفسه! 

وربما كانت إحدى هذه الدوافع هي ما يدفعك أنت شخصياً إلى الاستمرار في القراءة.. فأنصحك أن أن لا تتوقف هنا.

الخبر الحقيقي الموثق بالصوت والصورة، تناقلته وكالات الأنباء بما فيها موقع "آراء" الإخباري، ويعود لشاب سعودي اسمه "وليد" يعاني من مرض نفسي يمنعه من الكلام. جرى ترحيل "وليد" ضمن حملة إبعاد مخالفي الإقامة في العربية السعودية إلى نيجيريا -من دون بلاد الأرض- التي قضى فيها 35 يوما قبل استرجاعه في أقصى حالات الإنهاك والجوع.

لماذا لم يتم التأكد من هوية المواطن وليد قبل احتجازه أصلا عبر الطرق القانونية للتعرف على الهوية؟ لماذا لم يعرض على لجنة طبية للتثبت من سلامته العقلية؟ لماذا أبعد إلى نيجيريا تحديدا؟ هل تم إبعاده إلى هذا البلد الإفريقي بالذات نتيجة للون بشرته؟ ماهي الجهات التي استقبلته هناك؟ وكيف قامت باستقبال أجنبي دون أوراق رسمية؟ أين تم احتجاز "وليد" في نيجيريا ولماذا لم يتم العناية بغذائه ودوائه؟ وإن كانت هذه حالة واحدة لتعسف جرى لمواطن مريض، فكيف يمكن التحقق من ضمانات الكرامة الإنسانية للعمال المهاجرين الذين تجرى ملاحقتهم واعتقالهم وترحيلهم؟ 

أسئلة كثيرة يطرحها هذا الخبر وأضرابه، إلا أن الأهم أنها تطرح إشكالية بنوية في آليات تعاطي مجتمعاتنا مع قضايا حقوق الإنسان بشكل عام، تبدأ من كيفية استقبال الخبر والتعرف على طبيعته وما يطرحه من قضايا قد تعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، وما هي آليات الحماية والدفاع المتوفرة لضحايا هذه الإنتهاكات.

إشكالية معرفية ثقافية، وإشكاليات اجتماعية سلوكية، بالإضافة إلى تقصير فاضح من الأجهزة الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في احترام وإنفاذ الاتفاقيات التي صادقت عليها الدول، وتخاذل مهين في متابعة مثل هذه الحالات وتوعية المجتمع بحقوقه وواجباته.

في المقال السابق أكدنا على أن العالم يسعنا إلى تثبيت الحقوق الأساسية وإعطائها الأولوية في أجندات حقوق الإنسان، وبالتوازي تعزيز ثقافة المعرفة بمنظومة الحقوق والواجبات بالتعاون مع الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد. بات الانتهاك حولك في كل مكان؛ في البيت والمدرسة والشارع والمؤسسة والحقل والوزارة، وكلنا مسؤولون بشكل شخصي عن أي انتهاك نشاهده وإن لم يكن موجها لنا شخصيا، مجرد الصمت والتجاهل أو السخرية يجعلك إما ضحية ثانوية للخوف والجهل، أو شريكاً في جريمة التغطية. اليوم قد تكون الشاهد، وغداً حتماً ستكون الضحية، لأنك لم تقطع دائرة الانتهاك حينما كان الأمر بيدك. 

يؤكد لنا "وليد" نفسه أنها ليست المرة الأولى التي يعتقل فيها بسبب مرضه، ويؤكد الخبر المنشور أنه ليس الوحيد.

كفاية ..


عندنا كما لدى جيراننا خير كثير. دليل فاضح آخر على تقصير مؤسسات المجتمع المدني في القيام بدورها في تحديد الانتهاك ورصده وتوثيقة ودعم الضحية بتوفير الحماية النفسية والغطاء القانوني تتجلى في قضية الدكتورة كفايه ملك.

وأول ما يثير الاستغراب، هو صمت الجمعية الطبية التي تنتمي إليها الدكتورة ملك! فالجمعية لم تقم بتحقيق خاص بوقائع حادثة النقل التعسفي-إن صحت، ولم تصدر أي بيان بشأنها، ولا شاركت بشكل رسمي -وهو من مسؤولياتها- في دعم حقها وزملائها في الاحتجاج والاعتصام النقابي لتأكيد هذا الحق الأصيل لجميع العاملين في الدولة أو القطاع الخاص لما بدأ الاعتصام. وبتقصيرها هذا تركت الأطباء أمام جبهتين؛ مواجهة أي تعسف قد يطالهم من جهة عملهم، والاتهامات التي تصلهم من زملائهم العاملين والمواطنين بالتقصير في أداء واجباتهم نتيجة الإضراب. 

ذات التخاذل والتقصير ينسحب على جمعيات حقوق الإنسان في البلاد وكافة مؤسسات المجتمع المدني التي يفترض أن يكون لها موقف -بعد الرصد والتوثيق وتحليل البيانات. من دعم حق الأطباء في الإضراب والدفع إلى تسوية عادلة في هذه القضية أو أي قضايا مشابهة. 

كفاية.. نقولها إلى هذه المؤسسات جميعا، كفاية خمول وكسل وإشغال للواجهات الاجتماعية وانغماس في العمل السياسي. كفاية.. فأمامنا عمل كثير.

----------------------------------------------------------
نشرت في آراء بتاريخ:



دومينيك دوفيلبان ومابعد الكولونيالية

 سكرت أوروبا واسكرتنا في 70 عاماً الماضية بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والعهود الدولية والتدريب والتشبيك مع جنيف ونيويورك ولاهاي. هذ...